برمية واحدة قسم السيد حسن نصر الله المعارضة السورية إلى عملاء لإسرائيل أو أميركا، وهذا اتهام خطير .
نظام شعاره : (إما أن أحكمكم أو أقتلكم) وستون عاماً من حكم البعث الظالم لم تكف لفهم مأساة شعب سورية.
هل يعرف سماحة السيد المملوء وقته بهموم المقاومة مجزرة التضامن غير المسبوقة في تاريخ الإجرام (ومثلها كثير).
وهل اطلع على (سقوط الجولان) لقائد مخابراتها قبل عام ١٩٦٧ والذي مكث ٢٩ سنة في السجن ثمناً لشجاعته قبل خروجه بوساطات دولية.
وهل بلغته أخبار السجون وما يلقى الأبرياء فيها من أهوال وهل هو راض على ما يجرى لآلاف النساء والأطفال الذين يقتلون تحت التعذيب.
وهل درس ملف قيصر الموثق بقتل أحد عشر ألف برىء بالتجويع حتى الموت مع التنكيل بهم أحياء وأمواتاً.
وهل أحسّ بعذابات شعب هُجّرَ وشرد وعانى ما لاتحمله الجبال.
ستون عاماً من مصادرة حريات الناس لم يتحمل النظام معها احتجاجات مدنية بقيت ثمانية أشهر سلمية تماماً وقدم الناشطون فيها الورود والماء البارد للجلادين من عناصر المخابرات فتم اعتقال خيرة الشباب وقتل الكثيرون منهم .
وبدأ بطش النظام بالشعب فتصدت ثلل للسلاح بالسلاح (وهو أمر لم يكن يريده أحد وجر النظام الناس إليه) وسال لعاب قوى دولية فمدت أيديها تشعل النيران وكانت فرصة لم تبال معها بنظام ولا معارضة ولا دماء.
ومنذ السنوات الأولى ورغم كل فتك النظام كانت هناك دعوات لم تتوقف للنظام إلى كلمة سواء وإلى حل وطني منصف (ودائما كان هناك تحذير من خطر قادم أكبر من النظام وأكبر من المعارضة) ومورست ضغوط هائلة من شعبنا المجروح الرافض لذلك لشدة ماتعرض له من ظلم وبطش، وكان هناك صبر شديد لعله يمنع عن بلدنا فناء وجودياً تساق إليه ولا رابح فيه، وبقي النظام مصراً على استعلائه ولم يصغ ولو مرة واحدة يتيمة إلى شعبنا وتصرف جزاراً يريد الانتقام ولم يتصرف كدولة تتفاهم مع شعبها وتبحث عن علاج لمعاناته من الظلم الطاغي المديد.
ربما يتسلل بيننا ألف إرهابي وألف تكفيري وألف عميل، فذلك ممكن، ولكن شعبنا يقيناً ليس تكفيرياً ولا إرهابياً ولا عميلاً ومن الملفت أن يُهجّرَ ويهاجر من سورية نصف سكانها (أكثر من إثنا عشر مليوناً) ولو أتيح للباقين الخروج لخرج أكثرهم، ومازال النظام يعيش الوهم المبين ويصنف نصف الشعب إرهابيين يريد اجتثاثهم والنصف الثاني عبيداً له بلا حدود.
هل هناك أحد لم يحاول الهيمنة على شعبنا ، وأية عمالة يتم الحديث عنها وقد كان هناك (بحدود علمي) أكثر من ثلاثين جهاز مخابرات يعملون في أرضنا، وشعبنا يحاول دفع الاذى والأصابع الغريبة المتسللة إليه ويقاوم امبراطوريات تحاول ابتلاعه.
انتشرت التيارات التكفيرية (التي لم يبق أحد لايعرف أن لكثير من الدول فروع فيها) وقاومها شعبنا بالوعي وبالسلاح .. وبذل شعبنا وقاوم الفكر التكفيري وبذل أهلنا جهوداً هائلة كيلا نقع في فخاخ المذهبيات الضيقة وتم اتخاذ مواقف واضحة (حرام أن تراق دماء الآلاف من الشباب من عندنا وعندكم فيما لاطائل منه)، ومع كل الجراح كان شعبنا يعارض أي فكر انفصالي يحفر بمكر في سورية.
وكان هناك دائماً من يمد يده يبحث عمن يتقاطع معه وعن كلمة سواء مع الجميع وتحترم جهد كل مخلص ويعلم أن المنطقة مقبلة على شرذمة واختلال وتشظ غير مسبوق تعمل له دول كبرى واقليمية لذا لابد من البحث عن صيغ تنصف الناس وتحافظ على كياناتهم وتلم المتفرق منهم، وظن الناس أن يكون لخط المقاومة دور في لم الصفوف والتوسط لحل عادل في بلد أنهكه الظلم والفساد، وتوقعوا خلال عشر سنوات ولو مرة واحدة : كلمة يتيمة تبعث الأمل باستقرار ومسار ، ولو قامت المقاومة بذلك لكسبت الكثير ، ولكن المقاومة لم تفعل وناصرت الطغيان ثم صدم الناس صدمة مخيفة حين سمعوا قائد المقاومة الذي طالما رفع كثيرون منهم أكفّهم له بالدعاء يتحدث عن طريق لتحرير القدس يمر بالقصير والزبداني وغيرها.
وصدم الناس بالمقاومة التي فتحوا لها بيوتهم وأنفقوا لها كرائم أموالهم و كانوا معها بكل مايطيقون فإذا بها تسل سكاكينها ذبحاً بهم وبنسائهم وأطفالهم.
وصدم الناس بالمقاومة التي ظنوها تحمل مظلومية أهل البيت رضوان الله عليهم فإذا بها تنصر أعتى طواغيت هذا الزمان، وتبيح البلاد مزارع للطغاة وتقبل جعل سكانها عبيداً حتى الفناء .
وصدم الناس بالمقاومة التي كرّهت أغلب الناس بنفسها وجعلت البسطاء يتمنون قدوم اليهود لأنهم ظنوا أنهم أرحم بالناس من النظام (لم يجر لأي شعب ماجرى للسوريين من الجرائم والتشريد والتنكيل حتى الآن.
وصدم الناس لأنهم يعتبرون أن المقاومة تعبير عن أنفاس الأمة وليست وصاية عليها وأنه لايمكن لمقاومة أن تنتصر وقد سبحت في مائة طوفان من دماء الأبرياء ، وإن الله ينصر الدولة الكافرة العادلة ولاينصر الدولة المؤمنة الظالمة.
حف المعارضة ككل الأجسام العديد من الأخطاء والسلبيات وساعدت عوامل مختلفة على شرذمتها لكنها لم تعلن ولاءها لأحد وهذا أحد أسباب محاصرتها وتهميشها وفيها من يتواصل مع الأميركان وفيها من يتواصل مع الروس يبحث عن مخرج لبلاده.
ومن طرائف السياسة قول بعضهم :
نرفض تماماً التواصل مع الإسرائيليين فهم مجرد أداةً للدولة العميقة في الولايات المتحدة .
كما أن الاحتلال الروسي والإيراني لبلادنا لم يحصل إلا بموافقة الولايات المتحدة لمنع سقوط النظام .
إذاً فلنتحدث مع المعلم الكبير توفيراً للجهد والوقت . انتهى
لايعلم عن وجود أي كيان داخل المعارضة قدم نفسه عميلاً للإسرائيليين وإنما هناك أفراد معدودون مرفوض تماماً منطقهم بالاستقواء الذي سيقود سورية إلى تبعية خطيرة وقد ظنوا أنه لامخرج لشعبنا إلا هناك.
وهناك بضعة مغامرين مفضوحون يبحثون عن مصالح فردية خسيسة يبرأ الناس إلى الله منهم، ومن المؤكد أنهم أقل من عدد الجواسيس الذين سببوا استشهاد الصفوة في شتى محاور المقاومة العصماء.
وفي نفس الوقت هناك من يفكر بعمق و من تجارب مختلفة بأن الولايات المتحدة تقطع الحبل بحلفائها في منتصف البئر وأنها قد أفلست قيمياً لذا فالتعويل عليها لايعول عليه، وليست الولايات المتحدة هي المفلسة الوحيدة بل العالم كله شرقاً وغرباً وفي خواء قيمي وأخلاقي وفكري وفلسفي وهو ظامىء إلى روح وفكر جديد يملؤه ويحيي الإنسان الذي يغتال في كل مكان، وفي شرقنا المسكين مازال غائباً وعي إقبال يقول : (إن الشرقيين يقضون على العدو بشدخ رأسه بينما يغير الغربيون طبيعته وقلبه) لذا رأينا بأعيننا واحتارت العقول من توحشنا على بعضنا حيث مازال يجري اغتيال الإنسان في العراق العظيم واليمن الوادع الطيب وسورية العريقة الجريحة وليبيا الشامخة ولبنان الموار بالحياة والسودان الكريم الأصيل.
إن توق الشعوب للحرية لن يتراجع ومن دون حرية وعدل فلا أمان ولا استقرار ولاحياة ونحن أضعف مما يظنون وأقوى مما يعلمون، ومع كل الآلام والقهر سنبقى نمد أيدينا لكل عاقل لأن القادم أخطر وفيه اجتثاث للجميع ..
أحمد معاذ الخطيب . الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري
شاركوا المقال عبر حساباتكم من هنا 👇
تعليقات
إرسال تعليق