أقدّر أن الكثيرين لن يطيقوا صبرا مع ما ،ومن يخالف توقعاتهم ، وهذا بشريٌ مفهوم .
ليس لأن تراكم السبق في التجربة الإنسانية يمنح بعضنا فرصة تجاوز الدهشة وعدم الاكتراث بما يثير الأقل حظا بالألم
ليس بسبب الأسئلة المتكررة التي تلكز من لديه طفولة الاكتشاف
ليس بسبب الرغبة في سبر أغوار الآخرين دون القبول بوحل الدروب التي ستُطرق ..
ولكن بسبب الوقت النفيس والفرصة الإنسانية النبيلة التي تتضاءل بمرور كل لحظة ، بسبب الأذى الفجّ الذي ينشأ من التسرّع والتباس الفهم وسوء التقدير .
بسبب محاولة القفز على كينونتك التي نشأت بظروف غير التي نالها أخرين : منحها لهم الزمن والبيئة والبحث الشخصي
فتعتري المغتر بذاته نوبات استهجان وربما السخرية من رؤيتك وحالك المتواضع ورضاك عن نفسك ،رغم أنه لا يؤذي أو يفرض شيئا على أحد ما .
هكذا في الدعة والاضطرار دون المبادرة لنقد ما لا يلزم ولا يعنيك..
الهدر أن يجذبك من لم يعانٍ الأسى ، ولم يكتوِ بالحرمان، وربما لا يعرف ما يجول بخاطرك حينها ،لتقول وتتصرف بما لا يتناسب ورغباته .
الهدر أن تمرر محاولة استنساخ تجربة ما، مر به أخرين على شخص مختلف ، كأنك في مختبر وتفترض أن تصل لذات النتائج !
إن حوجلة التجريب الرقيقة لا تطيق صبرا ، إذ ملأتها بجصّ وحصى وإسمنت تجارب الآخرين ، فبعد برهة سترمي الحوجلة ومحتوياتها وتفقد الفرصة والوعاء وتكسب الكثير من الأسف وربما الندم طويلا .
الهدر في التعالي والإلحاح لتشذيب المخضوضر الناتئ تمردا من حطب خيباتنا ،دون فهم وتقبّل ..
الهدر في مجاملة من لا ير ولا يسمع سوى أناه و صدى صوته
الهدر في مهادنة الغطرسة : في الحب والصداقة والأبوّة والسياسة والاقتصاد وكل جوانب الاجتماع الإنساني وحتى في تربية الماشية والزراعة
لم يعد لي وقتا كافيا أبدده في الصبر على علاقات مشدودة كوتر قوس
لم يعد لي فرصة الرهان على ضباب المحاباة تبدده بعد هنية شمس المرارة
لم أعد قادرا على التعايش مع التشاوف المدرسي البائر .
يبدو أن المرء في لحظات ضعف إنساني يغفل أو يتغافل عن بدايات ركيكة مزروعة بألغام الاستفزاز و الظنون ومحاولات التأطير وفق رغبات لا تعنيه ولا تثير حماسه
أمسيت أمقت المقاربات الساذجة تأخذنا لأطلال بائدة لتحثو في وجوهنا أتربة السجال البليد ..
فهمت متأخرا أن الإنسان كائن متكامل الوجود في ذاته ، وما اكتسبه من بيئاته المتواترة قد يحمل سموا ،أو تقزيما لهذا الوجود ،وما العلاقات سوى للتعاون على تجاوز الضعف والعثرات والمحن ، والفوز بتداول وتبادل بعض السعادة التي يبدو أنها آيلة للاندثار
يقول الرافعي رحمه الله:
( في كل إنسان تعرفه إنسان لا تعرفه!
لذا لا تقل فلان أعرفه أكثر من نفسي، فالنفوس مدن، وعوالم كالبحار.. بعض قيعانها لم تشرق عليها الشمسُ يوماً.)
شعرت بتحطم شيء رقيق ما في ركنٍ مجهول
سمعت عويل الهشيم وهو يتداعى في مكان ما ، ما كنت أعلم أنه نَبتَ ونما وأزهرَ ، ثم تهاوى بصمتٍ وانتحر .
ها أنذا : أداعب مخالب قطط الهجير بأصابع من ثلج .
محمد صالح عويد 4 آب 2022
شاركوا الرابط مباشرة عبر حساباتكم من هنا👇👇
تعليقات
إرسال تعليق