القائمة الرئيسية

الصفحات

ليس ذكاءً إيرانياً، ولكن رغبة أميركية الدكتور قصي غريب

 

قصي غريب

قال رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق، حمد بن جاسم آل ثاني، في حديث إلى صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية: "عليَّ أن أعترف بشيء واحد: هو أن الإيرانيين أذكى منا، وأكثر صبراً منا، وهم المفاوضون الأفضل. انظر كم سنة تفاوضوا مع القوى العالمية! فهل تعتقدون أن دولة عربية يمكنها أن تفاوض لمثل هذه المدة؟".

إن الإشادة بالمفاوض الإيراني من قبل حمد بن جاسم، ووصفه بأنه بارع وذو نفس طويل بحيث نجح في انتزاع مكاسب مهمة لصالح بلاده من خلال تسوية ملفه النووي مع الولايات المتحدة، وأننا نحن العرب لا نمتلك مثل هذه الإمكانية وهذه القدرة التفاوضية، تنم عن مجاملة سياسية، أو قراءة خاطئة لما حصل. ونحن نرجح المجاملة السياسية على القراءة الخاطئة، لأنه عمل في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لمدة طويلة، وبالتأكيد هو يعي ويفهم ما يجري حوله، ومن ثم لديه الإمكانية والقدرة العالية على قراءة المشهد الإقليمي والدولي بصورة صحيحة والتشخيص الدقيق. فما حصلت عليه إيران من مكاسب إقليمية ودولية من خلال تسوية برنامجها النووي - بعد أن أدخلتها الولايات المتحدة في مفاوضات استمرت لحوالي 13 عاماً - وتم التوصل إلى اتفاق نهائي في تموز 2015، لا يعود أبداً إلى ذكاء المفاوض الإيراني، بقدر ما يعود إلى رغبة إستراتيجية أميركية في إطالة أمد هذه المفاوضات. فالسياسة الخارجية الأميركية تجاه دول المنطقة تقوم على المعايير المزدوجة؛ فهي في الوقت الذي دخلت مع إيران في مفاوضات ماراثونية، وهي تتهمها بدعم الإرهاب، فيما تدعي إيران أن الولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر.


في حين لم تُمنح أبداً مثل هذه الفرصة للعراق الذي كان يمتلك إمكانات وقدرات دبلوماسية محترفة وماهرة وذات خبرة بالمفاوضات أفضل من إيران بأشواط (طارق عزيز، صبري ناجي الحديثي، رياض القيسي، نزار حمدون، محمد الدوري)، ولم تسمح له بامتلاك أسباب العلم والقوة، وقطعت آلاف الأميال لغزوه وتدميره وتحويله إلى دولة فاشلة، أو كما قال جيمس بيكر: إعادة العراق إلى عصر ما قبل الصناعة.

ولذلك كانت الغاية من هذه الإطالة التفاوضية مع إيران تحقيق الهدفين الآتيين:

1 - تهديد وابتزاز دول الخليج العربي لإدخالها في سباق تسلح لصالح الخزينة الأميركية، فضلاً عن جعل دول الخليج العربي دولاً ضعيفة تستجدي الحماية الأميركية.

2 - تحويل الصراع في المنطقة من صراع عربي إسرائيلي إلى صراع عربي سني فارسي شيعي؛ وذلك من خلال تمكين إيران في المنطقة، وإشغال العرب والفرس ببعضهم بعضاً، وجعل إيران العدو الأول للعرب بديلاً عن إسرائيل. ولقد عملت الولايات المتحدة على ذلك منذ أن قامت بغزو أفغانستان وإسقاط نظام طالبان والملا عمر في 2001، ومن ثم غزو العراق وإسقاط النظام البعثي والرئيس صدام حسين في 2003 وإعدامه فيما بعد، حيث كان النظامان، وبخاصة البعثي، يشكلان عائقاً استراتيجياً أمام الطموحات الفارسية. وقد أسهم إسقاطهما من قبل الولايات المتحدة بالإخلال في التوازن الإقليمي، وبتوسع النفوذ الإيراني جيوسياسياً في المنطقة، فأصبحت إيران اللاعب الأكثر تأثيراً في العراق وسورية ولبنان واليمن بالضوء الأخضر الأميركي.

author-img
عين على ما يحدث من أمور و سبر لما خفي بين السطور

تعليقات