القائمة الرئيسية

الصفحات

الثورة المضادة في سورية . الدكتور قصي غريب

 

قصي غريب العليوي


إن الثورة هي حراك شعبي شامل يهدف إلى الإطاحة بنظام مستبد وفاسد، وإحداث تحولات جذرية في البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع، سعياً لإعادة تشكيله بما يخدم مصالح الأغلبية الساحقة من أفراد الشعب ويحقق تطلعاتها.

غير أن إنجاز هذا التحول الجذري لا يتم بسرعة، فتطبيق التغيير الشامل يستلزم فترة زمنية كافية تتخلص خلالها الثورة من القوى السابقة التي تعد معادية لأهدافها وتشكل عائقاً أمام تحقيقها، فهذه القوى غالباً ما تتربص بالثورة وتنتهز أي فرصة سانحة للقضاء على السلطة الثورية الوليدة.

ويطلق على هذه القوى المناهضة للتغيير الجذري الشامل مصطلح الثورة المضادة، وهي تمثل حركة تسعى جاهدة للحفاظ على النسق القديم للمجتمع بكل تركيباته وهياكله السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعسكرية. وتمارس هذه الحركة أنشطتها عبر آليتين رئيسيتين:

الأولى داخلية، يقودها النخب والقوى السياسية والثقافية والاجتماعية والعسكرية المعادية للثورة والتغيير الجذري.

والثانية خارجية، تدار بواسطة دوائر وقوى خارجية لها مصالح في بقاء النظام السابق.

وعليه، فإن المطلوب من الحكومة الثورية فرز وتحديد القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والاعلامية والعسكرية الثورية القادرة على ترجمة أهداف الثورة إلى واقع ملموس، وتمييزها عن القوى المعادية للثورة. وهذا التحديد الدقيق يمكنها من التصدي بفاعلية للأساليب التي تستخدمها الثورة المضادة، والتي غالباً ما ترتكز على الكذب والتضليل والمؤامرات وممارسة الإرهاب.

ولكي تنجح الحكومة الثورية في دحر الثورة المضادة، يتوجب عليها توثيق ارتباطها بالشعب وتعزيزه، فضلاً عن وضع الكفاءات الثورية المناسبة في المناصب القيادية الملائمة. وهذا يسهم بشكل فعال في بناء حاضنة شعبية ثورية صلبة تمثل خط الدفاع الأول عن الثورة. وبهذا النهج، يمكن للثورة أن تضمن تحقيق أهدافها المنشودة.

في الحالة السورية، لم يقتصر النظام الأسدي الطائفي المهزوم على استخدام الطائفية كأداة سلطوية، بل وظفها كآلية ممنهجة لإعادة إنتاج الهيمنة الدائمة على البلاد. فقد عمل على صناعة شبكة من الفاعلين السياسيين والثقافيين الذين تداخلت أدوارهم مع بنى النظام الطائفي نفسه، إذ استند إلى جماعات وأفراد ادعوا تبنيهم لخطابات ظاهرها المعارضة له والانتماء إلى الفكر الشيوعي والقومي العلماني، مثل المرتبطين بجماعات خالد بكداش، ورياض الترك، وفاتح جاموس، وياسين الحافظ، وصلاح جديد، وبعض أفراد ما سمي إعلان دمشق.

وبعيداً عن هذا الدور الخدمي الذي يقومون به، ورغم الطابع الأيديولوجي الذي حاولت هذه الجماعات والأفراد الإيحاء به، فإن ممارساتهم لم تختلف عن ممارسات النظام الأسدي الطائفي، فقد أسهموا من خلال خطابهم السياسي في تعزيز الانقسامات الطائفية والعنصرية في المجتمع السوري، واعتمدوا على خطاب معاد للإسلام والثقافة العربية الإسلامية، وقاموا بالترويج بشكل ممنهج لفكرة أن الدولة العربية السورية هي دولة أقليات، بينما هي في الحقيقة دولة ذات غالبية سكانية عربية سنية مطلقة وساحقة، تحوي أقليات قومية وطائفية صغيرة. والهدف من هذا الترويج هو محو الهوية والثقافة العربية الإسلامية السائدة، وإلغاء صفة العربية من اسم الدولة.

ولذلك، فإن من الأسباب التي أسهمت بعد انتصار الثورة في دفع هذه القوى للمراهنة على مساندة الأجنبي، وتعميق حالة عدم الاستقرار السياسي، ونشر الأكاذيب والروايات التي تغذي الانقسام والعنف والاحتراب الأهلي هو وصول المؤمنين بالثقافة العربية الإسلامية إلى السلطة واستلامهم مقاليد قيادة الدولة.

إن من يقود الثورة المضادة وأدوات الأجنبي في سورية هم:

1. فلول النظام الأسدي الطائفي المهزوم.

2. أصحاب الرايات العنصرية والطائفية الذين يريدون دولة داخل الدولة.

3. اليسار الذي يبدي عداءً صريحاً للأغلبية المجتمعية، ويناهض عقيدتها وهويتها الثقافية، ويضم في صفوفه أطيافاً ذات نزعات شعوبية وطائفية وعنصرية، وأغلبهم من جماعات خالد بكداش، ورياض الترك، وفاتح جاموس، وياسين الحافظ، وصلاح جديد، وبعض أفراد ما سمي إعلان دمشق، فضلاً عن المأجورين فيما يسمى مركز حرمون، وتلفزيون سوريا، وصحيفة العربي الجديد. ولا يختلف هؤلاء في العقلية والسلوك عن النظام الأسدي الطائفي المهزوم، وهم أقرب إلى وجدانه ووجدان فلوله، بل إنهم أردأ منه.

وهؤلاء اليوم، بخطاب الكراهية الذي ينشرونه، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، يقودون التحريض الطائفي والعنصري في المجتمع لتشجيع الاحتراب بين السوريين، سعياً لاستدعاء التدخل الأجنبي وإعادة السلطة للأقليات في البلاد.

author-img
عين على ما يحدث من أمور و سبر لما خفي بين السطور

تعليقات