يتركز دور المصمم والمهندس المعماري المحترف قبل أن يبدأُ اسكتشاته البدائية لأي تصميم ، بدراسة :
البيئة - الثقافة الاجتماعية العامّة - المناخ العمراني - جغرافيا وتضاريس المكان - اختيار واجهات البناء حسب شروق الشمس وغروبها ، واتجاهات الرياح - الطُرز المعمارية الموروثة المؤثّرة في النفوس ، وتلك المعاصرة السائدة حسب روح العصر - مواد البناء المحليّة المتوفرة أو المستوردة - عدد أفراد الأسرة وحساب تزايدهم و نموّهم وتغيير احتياجاتهم ..
رغبات المالك : ميوله ومستوى ثقافته وما يمنّي النفس من رغبات بالراحة والرفاهية والخدمات المطلوبة في كل جزء من المشروع
وضع دراسة عن الملحقات والحدائق والمداخل والسراديب والتهوية والتخزين و الصرف ، ومصادر الطاقة المحليّة -
يهتم بتفاصيل جهة فتح الأبواب - النوافذ وحجمها ومستوى الإضاءة - مواضع مفاتيح الكهرباء والتبريد والانذار ووو.
يقدم مقترحاته ويناقش صاحب المشروع بالتفاصيل ويحاول الاقتراب من ذوقه و يتعرف على تاريخه الشخصي ليقترب من روحه ويقدم تفاصيل التصميم الداخلي والخارجي اللذان يلبّيان الرغبات الدفينة للمالك كمحاولة لتقديم تصميم بمستوى متميّز ويحقق رغباته بتناغم مناسب ...
يضيف المصمم من روحه وتراكمه الإبداعي بعد ان يعدّل ويغيّر ، ويحذف يقدم تصميمه النهائي بروح مختلفة ولافتة .
يقدم تصميمه للمستثمر أو المالك ليقوم بدفع المخططات المعمارية لمهندس مدني إنشائي يبدأ بدراسة المخطط ويباشر في وضع الدراسة التنفيذية للبناء ويحدد حجم وتسليح وحمولات الأساسات المناسبة والتي تناسب كتل البناء ويضيف عامل أمان على كل التسليح بدءا من القواعد واضعا في حسبانه إمكانية إضافات وتوسعات ممكنة مستقبلا ، دون الإضطرار لتعديلات جذرية في الأساسات والأعمدة الرئيسية الحاملة
ويحسب بدقّة تأثير عوامل الرياح والزلازل والحركات التكتونية الباطنية و الإجهاد و الحمولات الثابتة والمتحرّكة للأسقف والجسور الحاملة والمعلقة الساقطة أو الخفيّة ...
قد يتم إجراء تعديلات معمارية طفيفة على التصميم الداخلي والخارجي وفق رؤية المهندس الإنشائي ، أو لتتناسب مع ضرورات التسليح والبناء
ثم يأتي دور مصممي مخطط الإلكتروميكانيا في كل ما يخص الطاقة والتغذية والتهوية والتبريد والصرف والعزل ووو .
هل هذا التمهيد والمقدمة تكفي لنحاول تخيّل واستيعاب كيف استطاعت بريطانيا وفرنسا وورائهم كل أصحاب المصالح الإستعمارية - تقسيم الوطن العربي لإثنين وعشرين منتجع وحدائق خلفيّة وحوض نفط وسفاري وميناء ومزرعة بصل وسجون ومقابر وأندية قمار ومواخير دعارة ومراكز سمسرة ونهب عالمي عبر وكلاء مكلّفين رسميا وفق سياسة العبد الخاضع الطائع بمنصبه وثراءه الملجوم وخبز بطنه ، والسيّد الآمر الناهي !؟
وكل ذلك تم وفق رؤية إستعمارية ناجزة وضاربة عرض الحائط بكل قيم التراكم الإنساني والفضيلة و كرامة بشر هذه الاصقاع النائمة على ثروات مرعبة فيما شعوبها تتمرغل في خسفٍ وهوان وإذلال ونهبٍ وتجهيل ممنهجٍ وجوع .
تم إعتماد التصاميم المعمارية في مؤتمر كامبل - لندن 1905-1907
وتم وضع المخططات التنفيذية بسايكس بيكو 1916 ثم استثمار الخبل الشريف حسين وسلالته ليكونوا أهم أدوات البدء في حفر وصبّ أساسات الأبنية التي نرى بعضها واسوأها وأقدمها اليوم .
وأما الإلكتروميكانيكا فتأخر لسنة تالية حين صدر وعد بلفور وقامت الثورة البلشفية لتحتوي وتُدجّن وتسوس فئات غير قليلة لتأمين الإنسلاخ والتفتيت الفكري والثقافي لتتمرّد على الثقافة الأم وتلفظها جملة وتفصيلا ، والمساهمة في تكريس الإستبداد بذرائع التغريب المعاصر ، أو التشريق الماركسي ، عبر شعارات المدنية الجوفاء والديمقراطية التي دُسّت خارج إطارها التاريخي و بعيدا عن توفر التربة المناسبة لها في البيئة المستهدفة ..
بدأ المستعمر الغربي بأقنعة وشعارات عبر مشروع الانتدابات والوصاية على مصادر الثروة والإنسان والارض ، عمل وبناءا على دراسات المستشرقين الجوالين طيلة فترات وجوده على استثمار البيئة ومواد البناء المحلية المتوفرة واستثمر في المناخات والتناقضات الغافية المهملة ، نفض عنها الرماد وأججها ليغادر بعد أن رفع البنيان و رسم تفاصيل التصميم الداخلي وقعد يتفرج ويوجه ويحرّك ويعدل بشكل طفيف بجراحات مبضعه الدقيقة ، وحافظ على ديناميكية الإدارة وفق رؤيته دون أن يسمح بأي فرصة مشروع نهضوي ، لكنه أهتم كثيرا بالصيانة الوقائية والدوريّة وتزييت المفاصل ليحمي هذه الأبنية من التآكل أو الانهيار مهما كان ثمن ذلك فاجعا على الصعيد البشري .
علينا أن نفهم أن هذه الأبنية الصمّاء المتآكلة لا يمكن إصلاحها بل يجب نسفها وإقتلاع اساساتها من التربة والعود لبناء حيوات جديدة بأسس ومفاهيم فكرية جامعة تعتمد على المنافع الإجتماعية الوجودية وتتكيء على مفردات ومكوّنات البيئة ، والإيجابي من التاريخ والاستفادة من التراكم البشري وتجلياته المعاصرة ، و على ما يضمن خلاص ورفاهية العباد والبلاد ..
نحن الان في منتصف الطريق نحو الخلاص
والغرب ومشروعه الاستعماري بمواجهة خنادق ومخاضات وزلازل الشعوب في كل بقعة بنسب مختلفة مما يصدمه باقتراب وإمكانية تفجير هذه الأبنية التي لا تصلح للتعديل الجذري ، ولا تحتمل أساساتها وأعمدتها إضافات مهمة تغيّر طبيعة الأبنية للإستفادة منها والمتابعة بعد إزاحة الإدارات التابعة القائمة بالقهر وبتكليف رسمي محمي من منظومة النظام العالمي القائمة بعد الحرب العالمية الثانية .
نحن الان حائرون
ننظّر ونحلل في من يقف وراء التفجير المدمّر في بيروت وتداعياته و من المستفيد !؟
هل هو استهداف حربي إسرائيلي استثمر في الظروف اللبنانية الداخلية وانقضّ والملابسات الداخلية كلها ستشير لحزب الله ونزقه من ملف مقتل الحريري !؟
هل هو حزب الله وإيران !؟ أم هو الفساد الإداري والسياسي الذي ينخر المجتمع اللبناني منذ تسليمها غربيا ليستبيحها حافظ الوحش 1976 ليقوم بسحق درّة العقد العربي الإلهي ، ورئة الحرية الضيّقة الباقية في المشرق !؟
هي كل ذاك وبنسب مختلفة ولكننا غاضبين موتورين ممتلئي ردود فعل وبالتالي كراهية وحماقة وضحالة قراءة ..
وكأن ما حدث وسيحدث لاحقا بزخم تخريبي مرعب يُراد له أن يطمس ويعمينا عمّا حدث من أضعاف هذه الجريمة في سورية والعراق واليمن وفلسطين ويجري الترتيب العميق على قدم وساق ليحدث في مصر .
الظروف المحيطة بأي حدث، من زمان ومكان وسياق وأحداث متزامنة وفواعل وتصريحات ، هي جزء لا يتجزأ من تفكيك وتحليله وتقييمه. لكنها - بداهة - ليست كل شيء، وإلا لما كان هناك أي حاجة للتحليل. تحليل الظروف يقدّم "سيناريوهات" محتملة و"فرضيات" يمكن نقاشها ولكن ليس "حتميات" لا تقبل الشك .
إن زلزال الثورة السوريّة وتداعياتها وهزاتها الإرتداديّة خلخلت شروش بنيان المنظومة الدولية القائمة على كل ما هو بشع ووقح وعاهر ووحشي - وربما أغلبنا لا يدري انه ودون أن نقصد استهدفنا مشروع استعماري مرعب - وكل عصابات الحكم العربي هي جزء مُحكم الحياكة ومكلّف وفعّال في إدارة المزارع أو الخراب في حال نهوض الشعوب لاسترجاع حريتها وسيادة بلادها ومشروعها النهضوي كأمّة :
كاملة الدسم والقدرة على النهوض من جديد بهذه الأمواج الشعبية الجارفة والتوّاقة ، والحضور التاريخي العصي على الإندثار .
العلّة الأس فينا كشعوب ومنظومات ومستويات فهم فكري ، يحركنا النزوع للخلاص الفردي والمذهبي والعرقي والرغبات الضيّقة والموتورة المشغول عليها ، وكم من الكراهية المبطّنة التي ترسبت خلال القرن الماضي والتي تلبيّ احتياجات استمرار وديمومة مشاريع الأعداء .
لا يمكن اعتبار ما جرى في كل دولة ومؤخرا في بيروت منفصلا ومعزولا عمّا يجري في كل البلاد ضمن خطّة محكمة للإحتواء والتدجين النهائي ، وما فاجعة بيروت الأخيرة سوى حلقة في سلسلة لن تبقي لنا ساقا أو عكازا نتوكأ عليهما ، وربما نجد تحويل بلادنا لمعسكرات اعتقال نازيّة وتعود محارق الجثث وصناعة الصابون البشري للوجود باي لحظة ، إلّا ان يسمحوا بنهوض أمّة تململت من سبات ورماد القرون أو بدول مدنية محترمة .
ما حصل في بيروت سيتسّع ولن تتوقف الإبادة والتهجير ، وسيأتي على مصر ايام كالحة لتُفرم وتقسّم حين يبدأ التباكي على الأقباط ومنحهم كانتون و، التباكي على سليمان الحكيم ومنح دياره القديمة في النوبة كانتون آخر لرد الإعتبار الدولي لمن ظلمهم عبد الناصر وبعثرهم بحجة السد الواطي الذي سيكون أثرا بعد عين في خضم الصراع على سدّ النهضة الأثيوبي ..
ولنرى نتائج التدخل الأمريكي وعبثها بملفاتنا المحلية وحسب تفاصيل العمارة :
هل سيحقق الأكراد في الشمال السوري كانتون يُبنى على استعداء المحيط ومغالطات تاريخية مضحكة ( دعكم من كم جحش يهذر من هنا أو هناك ) ، أم سيدفع الأمريكان لإبادات بينية مقبلة بعد أن تقدم تركيا مشروع حماية النفط وتأمين مصالح الغرب وتلحس إصبعها وتضمن أمنها القومي العثماني العميق !؟
هل علّتنا الوجودية في حكم علوي طائفي في سوريّة ( كما يثرثر أنصاف الوطنيين والمتعلمين والحمقى الموتورين بتراكم ضحل والذين تؤججهم غايات الوصول للحكم ولو على أنقاض وأشلاء الجميع دون استثناء - والعلويون في سورية بلعوا الموس عالحدين _ كما أن كل رخيص ودنيء من كل الأطياف ساهم في الإفساد للتمتع بمزاياه .. !؟
يا ترى هل الحكم الهاشمي الفاسد في الأردن علوي وطائفي !؟ وهل من يحكم الخليج طائفيون !؟
هل الجنرال عون الماروني المفروض في دستور 1943 والمثبّت في اتفاق الطائف 1988 هو طائفي أم هذه إرادات وتوافقات دولية تلعب على حبالنا النحيلة وتنجح دائما لغبائنا وضحالتنا !؟
هل نجا شيعة العراق من سياسييهم الشيعة الفاسدين بعد أن دفعهم الامريكان لدفة الحكم 2003 ، وانظروا لتمرد شيعة العراق منذ تشرين 2019 والفواجع التي يرتكبها مسؤولوهم وأبناء جلدتهم ومذهبهم ، بهم !؟
هل خلائف الخميني المصنّع غربيا ، وعصابات الملالي القائمة الان من مذهب اخر غير مذهب أغلبية الإيرانيين !؟
كلهم أدوات وعبيد مأمورون في منظومة فساد ونهب عالمي ، ولا يمكن لهم بمواجهة أي تحرّك شعبي حقيقي ، إلّا أن يرتكبوا ما ارتكبه الاسدين بلا رحمة أو تردد .
المصيبة فيما قاله صحفي لبناني على ما أذكر :
( تدخل أمريكا في أي قضية دولية هي مشكلة وعدم تدخلها ايضا مشكلة ..)
وهل هذا يخرج عن سياق الخلاصة التي اختزلها هنري كسينجر في رسالة مغادرته وزارة الخارجية الامريكية 1977 :
( على أمريكا التدخل في كل قضايا العالم وأن لا تحل أياً منها ، إلا تلك التي تهدد مصالح أمريكا ) .
كلنا دون استثناء :
إمّا قتلى وضحايا ، أو مشروع لقتلى مؤجلين حسب ظروف كل قاتل وحسب ضرورات المشروع الاستعماري .
القتلة يتجولون بين الجثث ويطأونها بقرف بالغ ليتأكدوا من نفوقنا ، وقد ارتوى القتيل والمُنتظرَ موتهِ من ملح الدمع والنجيع ، تفضحنا المكابرة والاستعراض الأجوف والنفاق والرغبة الدفينة بخلاص فردي حقير ، يفضحنا العجز المهين عن الفهم والتضامن والإتكاء على ما يجمعنا لاجل خلاصنا النهائي
والقتلة نعرفهم بالأسماء والملامح والنوايا ...كما نحفظ اسماءنا وضحايانا
سكاكينهم في أيديهم وقد ذخّروا بنادقهم ليغتالوا اي صرخة تندُّ عن برئ مقهور
والجميع يلوي مؤشّر البوصلة ، ويكتم صرخته و يخنق عقله وضميره .
لن ينجو أحد ..

تعليقات
إرسال تعليق