من يحكم سورية سواء أكان من الأكثرية أو الأقلية أو من الغرباء عنها يصبح لديه القدرة على توجيه أو المشاركة الفاعلة والمؤثرة في تفاعلات المنطقة وخاصة منها السياسية ويعود هذا إلى مكانتها المعنوية في التاريخ وخاصة منه التاريخ العربي الاسلامي وتاريخها الحديث والمعاصر
إن أولئك بقيادة الولايات المتحدة قد دفعتهم ثورة الشعب السوري على النظام الأقلوي الاستبدادي الخدمي إلى العمل بخطوات حثيثة من أجل المحافظة عليه واستمراره من خلال تهميش وإقصاء وسحق الأكثرية بحكم كونها المكون الأساس والمؤسس للدولة السورية والخطر الدائم على مصالحهم من خلال إبعادهم عن السيطرة عن القرار والفعل بادعائهم الحرص على حياة ومستقبل الأقليات بحيث منذ أن اندلعت الثورة السورية ما انفك المسؤولون الأميركيون في التأكيد على حماية الأقليات والدفاع عنها، وتفضيلهم وترجيحهم على حياة الأكثرية وكذلك ذهبت روسيا حيث أبدى وزير خارجيتها سيرغي لافروف خشيته من قيام نظام سياسي تقوده الأكثرية السنية في سورية وأظهر خوفه على مصير الأقليات وعد بشار الأسد الشخصية التي تضمن حمايتهم وأمنهم ولذلك في أثناء زيارة وفد من المجلس الوطني السوري إلى موسكو في 2011 طلب منهم مصالحة النظام وإلا سيكون بانتظار الشعب السوري بحراً من الدماء
وفي هذا الاتجاه عبر بصراحة بالغة مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية جون برينان حرص جميع أصحاب الشأن في الساحة الدولية على المحافظة على نظام الأقلية الطائفي واستمراره في حكم سورية بذريعة خطر داعش حين أكد أن لا بلاده ولا روسيا ولا التحالف الدولي ولا الدول الإقليمية تريد انهيار النظام في سورية والمؤسسات التابعة له لأن ذلك من شأنه أن يخلي الساحة للجماعات الإسلامية المتطرفة ولاسيما تنظيم الدولة الإسلامية.
وعليه فإن هذا الخطاب الانتقائي من قبلهم في تفضيل الأقليات وترجيح كفتها على حساب حياة وحرية وكرامة وانسانية الأكثرية في سورية هو ممارسة لا إنسانية في عدم المساواة والتمييز الصارخ بأنواعه بين السوريين كبشر لأنه يخالف المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تؤكد على: ” لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر “.
كما أن استخدام ذريعة الدفاع عن الأقليات وتفضيلها على الأكثرية من قبلهم هي وسيلة مبتذلة لتخويفهم وإبعادهم عن مجتمعهم من أجل ربطهم وجعلهم عملاء لهم للتدخل الدائم بالشؤون الداخلية للدولة السورية، وخلخلة المجتمع عند اللزوم، وإحداث فجوة بينهم وبين أكثرية أهلهم الذين كانوا وسيبقون الضامن الأساسي والوحيد لحياتهم وحقوقهم ومستقبلهم.
ولذلك كان من أثر هذا الخطاب التمييزي أن بدأوا هم وذيولهم في تضليل الحقائق السكانية في سورية وتسويق فكرة أن المجتمع السوري هو عبارة عن مجتمع مكونات يشابه قطع الفسيفساء المتقاربة والمتساوية في الحجم والنسبة في حين أن المجتمع السوري ليس مجتمعاً للأقليات إنما فيه أقليات وهذا من أجل نسف حقيقية أن سورية دولة عربية إسلامية الثقافة والقيم بحكم الواقع والحقائق وقد بدأ العمل على ترسيخ ذلك من خلال السير على ثلاثة مسارات الأول سياسي، والثاني عسكري، والثالث ثقافي.
الأول المسار السياسي:
كانت الخطوة الأولى في المسار السياسي لإجهاض الثورة السورية من قبل الذين زعموا الوقوف إلى جانبها هو تهميش وإقصاء وسحق الأكثرية من خلال عدم رفع الغطاء السياسي والدبلوماسي عن النظام الأقلوي الاستبدادي الطائفي وسحب الاعتراف به ، فتحايلوا على الشعب السوري الثائر باستخدام الذين اختاروهم بعناية فائقة ، ووضعوهم في المشهد السياسي ، واعترفوا بهم من خلال ما يسمى الائتلاف كممثلين عنه وقد فاتهم أن هذا الاعتراف لا قيمة قانونية له إذا لم يتمتع بالشخصية القانونية الدولية بحيث يكتسب ويتمتع بالحقوق ويتحمل الالتزامات، فالاعتراف له أهميته الخاصة في مجال تحديد من يكون له الحق في تمثيل الدولة في المؤتمرات الدولية والمنظمات الدولية ، وحيازة وتوجيه السفارات في العواصم الأجنبية ويتمتع بالحصانات والامتيازات المقررة طبقاً لأحكام القانون الدولي للدول الأجنبية وممتلكاتها العامة، ويكون سلطة ذات سيادة داخلية شاملة على الشعب السوري، ويمارس سيادة خارجية حيث لا يخضع لأي دولة أو سلطة أجنبية ويتمتع بالاستقلال الكامل في مواجهة دول العالم.
وكانت الخطوة الثانية في تهميش وإقصاء وسحق الأكثرية من خلال تسويق شبح التقسيم الجغرافي والمجتمعي بخلق معطيات على أرض الواقع ناهيك عن غض النظر والتجاهل عن جرائم القتل والاعتقال والتهجير التي يرتكبها النظام الأقلوي الاستبدادي الطائفي وحلفاؤه ضدهم من أجل دفعهم إلى القبول بالحل السياسي القائم على تطبيق ما يسمى بالديمقراطية التوافقية القائمة على المحاصصة الدينية والقومية وتحويل النظام السياسي في سورية من نظام أقلية قائم على العصبية العلوية إلى نظام أقليات قائم على العصبيات الدينية والقومية ومن ثم إعادة إنتاج النظام بوجوه جديدة منه ينضم إليها بعض الأفراد من المعارضة التقليدية ومعارضة الغفلة الذين يفتقدون الكفاءة والاحترام الشعبي وكان قد بدأ التأسيس لهذا منذ قيام المجلس الوطني السوري ومن بعده الائتلاف الوطني فأغلبية الذين دخلوا فيه ليس بناء على أساس الانتماء الوطني أو الحزبي أو الفكري أو الكفاءة السياسية ، وإنما على أساس الانتماء إلى العصبيات القومية والطائفية والعشائرية والجهوية ، لأن في حساباتهم أن الحكم في سورية يجب أن يكون بعيداً عن متناول الأكثرية لأنها تشكل خطراً على مصالحهم في المنطقة عامة وعلى وجود إسرائيل خاصة فقيام نظام حكم وطني ديمقراطي سيكون ضد إسرائيل وأقل استعداداً لقبول الإملاءات الأميركية والغربية ولذلك يرون أن حماية هذه المصالح العامة والخاصة وديمومتها لا يكون إلا إذا كان الحكم في سورية تقوده أقلية أو الأقليات.
.... يتبع
* د.قصي غريب : كاتب وأكاديمي سوري
تعليقات
إرسال تعليق