السياسة التركية لم تتغير يوماً في جوهرها ، انما اليوم اخذت موقفاً اكثر وضوحاً ومتسقاً تماماً مع حلفائها في حلف الناتو
وهناك دائماً خلط لدى الكثير بين مفهوم الاستراتيجيات للدول وبين التكتيك ، فعندما نجهل الاستراتيجية نفقد تماماً القدرة على تفسير وتفكيك التقلبات السياسية الآنية ، ولطالما السياسة هي في جوهرها تعتمد على الكيد والتخفي عن حقيقتها ، وكذلك فإن الجيوش والأداء العسكري والاستخبارتي هو اكثر سرية وكتمان لتضليل المستهدف ، وبالتالي فإن التحول في السياسة التركية سببه الأساس والجوهري هو تكامل كل التحضيرات الدولية والإقليمية لانجاز استحقاق بعينه في توقيت محدد مخطط مسبقاً ، وما يهمنا هو دلالات هذا التحول التركي وانعكاساته على سوريا ، فالكثير يعتقد ان زيارة اردوغان لدول الخليج تحمل دلالة واحدة وهي دعم الاقتصاد التركي واقامة علاقات واستثمارات متبادلة بين تركيا ودول الخليج ، في حين ان الحقيقة ليست كذلك وان كان الاقتصاد دائماً حاضراً في مقدمة اولويات الدول التي تحترم شعبها ومصالحها ، إن توقيت الزيارة جاء مع التحول في السياسة التركية في التوقيت المتوافق وسلسلة الإجراءآت التي تنفذ بعد مؤتمر قمة جدة والتي تتضح اكثر وأكثر يوماً بعد يوم ، فالزيارة تحمل هدف عميق وغير معلن وهو التوافق على قوات مشتركة بين مصر ودول الخليج وتركيا تحضيراً لدخولها سوريا في المرحلة القادمة والغير بعيدة ، وقد قلنا سابقاً ان ما بعد مؤتمر جدة مختلف جذرياً عما قبله ، وهي نقطة تحول مفصلية في الصراع الدولي والإقليمي ، وقلنا سابقاً مذ عقد مؤتمر جدة ان ما يقال ان الخليج انهزم امام المحور الايراني تصور طفولي وفاقد لكل منطق السياسات الدولية ، وها هي النتائج كما اشرت اليها متطابقة وما ذهبنا اليه ، ولم يشعر بشار الاسد بالفخ الا بعد مؤتمر جدة باسبوع تحديداً ، وجميعنا يذكر ما كانت بعض الدول ومنها الامارات متكفلة بتقديم دعم مادي مدروس بعناية لإبقاء النظام حياً وعدم سقوطه ، وهذا بتوافق دولي بل بتوجيه امريكي صرف ، والسبب ليس كما نظن هو الثأر من الشعب السوري والمؤامرة عليه ، بل لا يمكن ان تنجح الاستراتيجية الامريكية الا ببقاء بشار الاسد في السلطة ، حيث انجزت امريكا ملفات دولية واقليمية ما كانت لتنجزها لولا بقاء بشار الاسد في السلطة ، ولن اتطرق لها وهي الملف الايراني ودوره الذي ادى بالنتيجة الى ان شعوب المنطقة باتت في خندق واحد مع إسرائيل ضد عدو واحد مشترك
هذه النتيجة التي ما كانت تخطر ببال انسان في الشرق الاوسط هاهي اليوم تؤتي ثمارها الهائلة تحضيراً لانجاز شرق اوسط جديد
وها هو اردوغان يجمع محمود عباس واسماعيل هنية تحضراً لانجاز تسوية نهائية للقضية الفلسطينية ، وهذا متسق والحراك الدولي والاقليمي الذي نشاهده والاستراتيجية الامريكية ، والملف الآخر هو توريط روسيا واستنزافها في سوريا كبؤرة وورقة روسية اعتقدت انها قادرة على الاحتفاظ بها بعد استدراجها وتورطها بدماء السوريين ولم تعد قادرة على المحافظة عليها وباتت كالجمر في يدها ستسقطها في اول مفترق ، وايضاً تم انجاز ملف ازربيجان واقامة اوثق العلاقات مع اسرائيل وامريكا بعد ان كانت سرية الى اقامة قاعدة عسكرية واستخباراتية على بعد امتار من مفاعل نتان الايراني ومخترقة الداخل الايراني وتقصف دون ان يكشفها الرادار الايراني ، ثم انسحبت امريكا من افغانستان ، وهاهي اليوم تجتمع مع طالبان في قطر لإحكام الطوق على ايران ، وتم تغيير عمران خان في الباكستان الذي كان يتحدي امريكا بالتقارب مع روسيا ، وكيسنجر في الصين بعد ان تجاوز عمره المئة عام في جهد لاحتواد الصين وعزلها عن روسيا ونجحت بذلك ، واليوم بعد مؤتمر جدة تم اغلاق كل منافذ الحياة عن النظام وغابت الامارات وعادت التوترات تطهر بين دول الخليج وايران بعد ان تم تكبيل طهران باتفاق مع الرياض وذلك باستقدام واستجرار الصين للمنطقة ، فقد احكم الطوق تماماً على روسيا كهدف استراتيجي ومعها حلفائها ايران ومحورها الذي فقد كل مقومات البقاء واغلقت البنوك العراقية بامر البنك الفدرالي الامريكي ولم يعد دولة واحدة تجرؤ على دعم بشار الاسد ، في حين وللعلم ليس المقصود بشار الاسد اطلاقاً انما المقصود روسيا وايران ، واعود لاكرر ان النظام السوري ليس بحسبان حتى موريتانيا ، مقامه كمقام اي فصيل منحرف في سوريا ، وبالتالي فإن تسارع الاحداث بهذه الوتيرة مع تحشدات غير مسبوقة في المنطقة والخليج وقطع كل يد تمتد لبشار ، مع تحضيرات لدور بري لقوات عربية وتركية في سوريا متوافق اصلاً مع حقيقة الدور الامريكي
وهذا التوافق يعني وبكل بساطة انتهاء دور قسد والاحزاب الكردية وبدون تردد ، وما يحصل في دير الزور ليس صدفة كما يشاع بل مقدمة لرفع الغطاء عن قسد ومشتقاتها
والسبب الآخر في ذلك هو ان امريكا والعالم كله يدرك ان سوريا لا يمكن ان يحكمها هذه النظام ببنيته الطائفية ، وان الاكثرية في سوريا هي التي يعول عليها امريكياً وهذا صحيح ومتسق وتحضير الشرق الاوسط والادنى والاقصى الذي يضم الاغلبية الساحقة من السنة كقوة يمكن ان يعول عليها في مواجهة الصين في حال فشلت الجهود في استيعابها كخطط بديلة ، واذكركم بأن ما يسمى الحرب على الارهاب بات في المرتبة السابعة في اولوياتها ، هذا التحول الرهيب هو لاعادة الثقة بامريكا من قبول شعوب المنطقة التي دفعت ثمناً باهظاً من الدور الايراني [ اي عبقرية في التحكم هذا ] اذاً نحن بتنا علي بعد امتار من تغير جوهري ، اما في سوريا تحديداً باغلاق المنطقة الشرقية وهذا يعني ليس سقوط النظام بل سقوط المحور الايراني وتبخر كل جهود روسيا في سوريا ، من قادر ان يتدخل عسكرياً لمنع امريكا من تنفيذ ذلك ؟ لا احد ، والاحتمال الآخر والقائم وبقوة توجيه ضربة صاعقة لايران بحجة عدم توقيع اتفاق نووي ، وهذا ايضاً انجز كل حيثيات هذا الملف ، وقد اشرت في مطلع المقال ان التمويه والتضليل عن ماذا تحمل الايام القادمة حقيقي ، فالاجواء تشي بأن هناك عمل ما في سوريا وقد يكون الهدف هو ايران ، وهناك ما يبرر ذلك ، الامر الاول توقف المفاوضات تماماً بين امريكا وايران وفشلها ، والامر الثاني استقدام ونشر طائرات ال ف 35 الجيل الخامس بالاضافة الى ال ف 16 ، مع استقدام مدمرات امريكية جديدة تضاف لقواتها مع استقدام اقوى الفرق الامريكية كالفرقة الجبلية ، واجراء مناورات مع سلاح الجو الاسرائيلي للتزود بالوقود في الجو ، وهذا يعني بدقة ان الهدف ايران، اذاً الاحتمالين واردين وبقوة غير مسبوقة ، اذا جمعنا وربطنا تسارع وتناسق كل هذه الجهود والحراك يتضح جلياً ان المنطقة قد استكملت اعداد مسرح العمليات وما يتطلب منها ، وخاصة تركيا بمواقفها الجديدة اللافتة للإهتمام فقط في التوقيت ، وارجو التدقيق في كلمة التوقيت ، واردوغان عرف كيف استخدم بشار الاسد في خدمة دعايته الانتخابية ونجح نجاحاً رهيباً ، وعليك ان تتصور ان تصريحات بشار الاسد ضد اردوغان كانت هي المطلوبة بالضبط ، وبشار الاسد يعتقد انه قد فوت هذه الفرصة على اردوغان ، فأي غباء لهذا الرئيس المخبول ؟ بشار الاسد القى خطاب النصر في جدة وهاجم الغرب متوهماً انه حاجة لكل الدول لاغنىً عنها ، ثم ما لبث ان ادرك انه دخل في منطقة القتل ، ماذا يعني ذلك ؟ هذا يعني ان النظام ليس لديه اي تواصل وتنسيق ذو قيمة مع بقية الدول ولا معلومات حقيقية لديه ، اي منع عنه حتى اي معلومة حقيقية ويصدر له معلومات مضللة ، ماذا يعني ذلك ؟ يعني ان هناك قرار وتنفيذ تشييعه في المرحلة الحالية ، لدي الكثير لأضيفه وادرك ان مقالاتي تثقل عليكم لطولها ، ولكنني مضطر لذلك ، ولدي قناعة مطلقة لا يشوبها شائب ان النظام قد حان تشييعه وهذا ما اود ان يدركه كل مجروح اثقلت عليه الايام الخالية بسبب هذا المجرم بشار ونظامه اللص اللقيط العميل الدنيء ابو البراميل والفوسفور والمسالخ البشرية وابو البراميل والكيماوي والطائفي الحقير ، ان القطاف قد حان ، وان سوريا بكل اطيافها هم ضحايا هذا الفاجر ، ولا امل في سوريا الا بتكاتف هذا الشعب ولملمة الجراح ومد ايدينا لبعضنا ونعيد سوريا رمز التآخي والوطنية والسلام والمحبة ، كفانا تمزق ، واعتقد ان الموالين ادركوا اليوم الحقيقة ان هذا النظام هو من مزق وحدة هذا الشعب الذي ما عرف بتاريخه الطائفية وها هو يموت قهراً وجوعاً وهجرة استنزفت شبابها ومقدراتها بسبب بضعة اشخاص لصوص منتجي ومهربي المخدرات ، لقد دمروا سوريا الحضارة والتاريخ والتآخي ، وبعون الله سنبني جميعاً جميعاً جميعاً سوريا لتكون نموذجاً في المنطقة ونترفع عن الجراح قريباً ان شاء الله.
العميد مصطفى الشيخ.
26 تموز 2023 .
تعليقات
إرسال تعليق