استسمحكم مقدماً لطول المقال ولكنني على يقين بأنه سيبلسم جراح الشعب السوري كله .
لكي ندرك اهمية ما يحصل علينا ان ننتبه جيداً لما يحدث في العالم واتساقه مع الاستراتيجية الامريكية التي وضحتها لقرائي بمقالات قبيل وبعد مؤتمر جدة ، والحقيقة ما كان بودي توضيح هذه الاستراتيجية لأن توضيحها سيفيد نظام الاسد وتسبب لي احراجات دولية قد الام عليها ، ولكنني وجدت نفسي ومن خلال واجبي الوطني وشعوري بالتدهور المعنوي الذي حصل في حاضنة الثورة على اثر التقارب الخليجي والعربي مع النظام اجبرني لتوضيح ما يجري بهدف تطمين اهلنا المظلومين ولو دفعت ثمناً لذلك ، الامر الذي استدعى مني كشف ما لا يجب ان اسلط الضوء عليه بهذه الدقة ، وارجو الله ان اكون ساهمت في وقت مبكر في لملمة الجراح ورفع الحالة المعنوية لشعبنا واهلنا الذين وقع عليهم ظلماً لا تطيقه امة مجتمعة ، وها اعود لاستكمل ما بدا اكثر وضوحاً من ذي قبل ان الحل في سوريا بات قيد التنفيذ ، وذلك لعدة اسباب ساعود لسوقها مجدداً ، وعلينا ان نركز جيداً على التوقيتات الزمنية والتسارع في وتيرة اعداد مسرح العمليات .
تذكير بالتحضيرات الدولية والإقليمية
بداية علينا ان ندرك انه لا علاقة بتنفيذ الاستراتيجيات الامريكية بانتماء الرئيس الامريكي للحزب الديمقراطي او الجمهوري ، وان الربط بين الانتخابات القادمة وقرار الحرب غير دقيق على الاطلاق ، واستنتاج سطحي ساذج .
احالة روبرت مالي المسؤول الامريكي عن المفاوضات النووية مع ايران للمحاكمة نظراً لانه افشى بعض اسرار الأستراتيجية الامريكية للإيرانيين وتم اغلاق وانهاء المفاوضات النووية تماماً .
ان الانعطافة التركية المفاجئة { انتبه للتوقيت } في مواقفها وتنسيقها مع دول الخليج هي بتوجيه امريكي صرف ومتسق مع التحضيرات والحشودات الهائلة في المنطقة والغير مسبوقة والتي تكلف مليارات الدولارات ومتسق بين الاستراتيجية الاميركية والمصالح الاقليمية ناهيك انهم حلفاء تاريخيين ، فالامور في سياقها وانجاهها الصحيح تماماً ، وهذه الحشودات هي ما نسميها في العلم العسكري رفع حالة الجاهزية الى الكاملة ومن ثم هناك مراحل الاستعداد الاولى والثانية والثالثة ايذاناً ببدء العمل العسكري المخطط ، والتي بدأت تتضح بتعزيز تواجد عسكري عربي في الاردن وهذا هو الاهم والمؤشر على دور عربي تركي واقليمي في العمل القادم ، وهذا الدور شرحته سابقاً ومتعلق بأن اي حل في سوريا لا يمكن ان ينجز الا بتدخل بري حتمي والا سيفشل اي حل وتعود سوريا لتنفجر بشكل ثأري وتخرج سوريا عن السيطرة وهذا غير مسموح به لاسباب الجميع يعرفها ،وبالتالي فإن نقل قسم من الجيش الوطني لقاعدة التنف متسق تماماً مع جوهر زيارة اردوغان لدول الخليج للتنسيق بهذا الخصوص حصراً ، ترافق ذلك مع تغير جوهري في مواقف تركيا اتجاه روسيا وانتقالها لمكانها الطبيعي في حلف الناتو ، واما سلوكها السابق والخلافات مع الغرب فهي نوع من التكتيك والمتحول وليس الثابت الاستراتيجي { وانتبه للتوقيت }
تخلي روسيا تماماً وبوضوح عن النظام وعدم تقديم اي دعم له ، وايضاً ايران ، وزيارة المقداد تهدف الى الاشعار بالإفلاس ، وعدم تقديم الدعم له نابع من ان روسيا وايران ادركت يقيناً ان الاستثمار في هذا النظام ورقة خاسرة وغير مجدية ، ففي لغة المصالح يمكن ان تعي تماماً ما يحصل ، اما بلغة العواطف فمن المحال ادراك تبرأ روسيا من النظام ومعها ايران الى حد بعيد ، ووجودهم كان ورقة لعب ضمن اجندات كل من روسيا وايران ليس الا ، فما الفائدة من دعم بلا نتيجة ؟ عبث وجنون ، وبالتالي فإن روسيا يمكن في اي لحظة تعلن انسحابها من سوريا ، ولديها الحجة المنطقية على النظام بأنه رفض التطبيع مع تركيا ورفض التعاون مع الجامعة العربية ، وها هي تحاول عبثاً التواجد في افريقيا وعلى حدود بولندا باستخدام فاغنر مجدداً على امل امتلاك اوراق تعينها في انهاء الحرب الاوكرانية، ولكن هيهات هيهات ، اما ايران فهي تقاتل في سوريا بمرتزقة ولا تقاتل بايراينيين وبالتالي لا يهمها الموضوع ولا تخرج الا بمبرر الخسارة العسكرية التي ستفرض بالقوة لاقناع الداخل الايراني بذلك ، هذه المبررات لكل من روسيا وايران جداً ضرورية ومهمة ، والا ستنعكس على الداخل الشبه منهار اقتصادياً في ايران وروسيا ، وهذا يقودنا الى امر مهم ومؤشر قد لا يجيد تفسيره الكثير وهو تململ حاضنة النظام ، هذا التململ لم يحدث بمجرد صدفة بل له ابعاد اخرى تتعلق بمستقبل سوريا في حال سقط النظام ، وهذا التغير يدل ان هناك عقلاء ادركوا ان التغيير بات محتماً ، ولا اريد ان اخوض اكثر في هذا الشأن لان ذلك قد يفسر تفسيراً خاطئاً ، لكن الحقيقة هي ان لا وطن في الدنيا بأثرها اذا كان هناك ثقافة وسلوك طائفي مهما طال الزمن ، لأن ذلك مخالف تماماً لبنية النسيج البشري الذي لا علاقة للإنسان به ، بل ارادة الخالق بهذا التنوع والغاية منه التقدم والحركية والارتقاء ، وليس العكس ، والنظام ليس سراً مارس كل انواع البغاء الطائفي وترك سوريا ممزقة ، والسؤال هل يمكن اعادة بناء الثقة بين المكونات السورية بعد كل ما حصل ؟ الجواب بكل بساطة نعم ، يكفي اننا سوريين وان نرتقي بوعينا وان نتخلى عن الثأرية والجهل فالعالم اين ونحن اين للاسف ، ومن قال ان الثورة في جوهرها طائفية فهو مخطئ ومتجني ، انما ظهور بعض المظاهر الشاذة سببها الشاذ الاول وهو النظام ، ولكل فعل ردة فعل تساويه بالقوة وتعاكسه بالاتجاه ، فالجميع مدان وعليه ان يراجع حساباته وسوريا تتسع الجميع وخيراتها تفوق مقدرات دولة الكويت ، فلا قلق ان شاء الله في هذا المجال مستقبلاً .
الانتقال الروسي الى افريقيا بعد ان طوقت سوريا ولم يسمح بانجاز اي حل عبر السنين الماضية سواءً باستنة ومتعلقاته ، وان روسيا ممكن ان تخرج من سوريا في اي لحظة ، بزحزحة استراتيجيتها التي شارفت على الفشل ، موقف روسيا من النظام
الحشد الهائل في المنطقة وقد تناولته بدءً من الانسحاب الامريكي من افغانستان وخلع عمران خان في الباكستان وتهديد طالبان لايران باحتلال طهران كما سمعتم ، والاخطر على ايران هو الوجود الجديد والاستراتيجي لقواعد أستخباراتية وعسكرية في ازربيجان لكل من امريكا واسرائيل ، اضافة الى اغلاق البنوك العراقية التي تهرب الاموال لايران ، لأن عائدات النفط العراقية تمر عبر البنك الفدرالي الامريكي لمن يعلم ، واذا اضفت هذه الحشودات والمناورات التي لم تهدأ ، والزيارات لمسؤلين عسكريين امريكيين لاسرائيل والدول العربية يدلل بوضوح على التسارع لان الزمن يضيق ، بل اكثر من ذلك فإن التحضير لمؤتمر القمة بهذه السرعة وهذه التسهيلات لبشار ومن ثم وبعد ثلاث اشهر فقط اعلان فشل الدول العربية يعني ان هناك مخطط زمني يجب التقيد فيه { لاحظ التوقيتات } .
التقارب التركي المصري ليس من فراغ في هذا التوقيت ، لان مصر مطلوب منها قوات عسكرية لتدخل سوريا مع دول الاقليم ، { لاحظ التوقيت } .
توقيتات تفعيل قانون الكبتاغون { لاحظ التوقيت } والآن يحضر لإنجاز قانون حفار القبور ، وهذا القانون لوحدة سيوقف العالم بأثره على رجل واحدة ومع امريكا في محاسبة هذا النظام على جرائم قل ما حدثت في التاريخ ، { لاحظ التوقيت } .
التحضير الاعلامي ببث افلام وثائقية عن تورط النظام ومسؤوليته الحصرية عن انتاج وتهريب المخدرات وهذا واضح لا يحتاج لأدلة اضافية فالجميع يعرفه ، لكن { لاحظ التوقيت } .
ودعوني ولأول مرة اقولها بأن العرب لعبوا دوراً خارقاً ترفع له القبعة باستدراج بشار الى القمة ودخوله منطقة القتل ولن اوضح اكثر في هذا الصدد .
الآن عاد التوتر بين دول الخليج وايران ، ولكن اليوم ايران لها ضامن وهي الصين ، وهنا العبقرية السياسية الامريكية في وضع الصين كضامن لضبط سلوك ايران وردات فعلها في حال اشتعلت الحرب ، وبالتالي استطاعت امريكا تحييد منابع النفط والطاقة عن اي خطر محتمل يؤدي لتفاقم الوضع الاقتصادي الدولي ، ذلك لان الاقتصاد العالمي يقوده الدولار ، اي امريكا مسؤولة عن ادارته ، وهذا من اولويات مهمامها واقوى اسلحتها لتبقى متفردة بحكم العالم ، وهكذا الدنيا تؤخذ غلابا ، ومضطر ان ارفع القبعة ثانية ، وايضاً لاحظ }توقيت ادخال الصين للمنطقة } .
هل انتبهتم لتدهور العلاقات بين الامارات والنظام ؟ مع العلم ان الامارات هي الدولة المسؤولة عن ابقاء النظام على قيد الحياة فقط في المرحلة السابقة ، واغلقت كل منافذ الدعم عن النظام باحكام مطلق ، ايضاً{ لاحظ التوقيت }.
اختم المقال بالقول : لقد كتبت عن الاستراتيجية الامريكية منذ عام 2013 والكثير كان يستهجن تماماً ما اكتب ، وها انا اعود لاثبت ما يلي :
ان الدور الايران ومتعلقاته قد انتهى تماماً ، فقد ساهمت ايران ومحورها واتباعها من حيث تدري اولا تدري بان جعلت المنطقة واعني تحديداً المكون العربي السني وهو الاغلبية الساحقة في الإقليم مع اسرائيل في خندق واحد ضد عدو مشترك ، هل هذا مجرد صدفة ؟ اذا تصورنا ذلك صدفة فهذا نوع من الانفصال عن الواقع تماماً ، فالمنطقة اليوم شعوباً وانظمة لسان حالها يقول اسرائيل ولا ايران ، اليس هذا هو الناتج من الحقد الطائفي الايراني واتباعه الذي اعمي بصيرتهم ؟ هل هذا المحور لا يدرك ذلك ؟ نعم لا يدرك ذلك ، وكيف يدرك وهو لا يرى الا بعيون الحقد ؟ محال ذلك ، هل لاحظتم كيف تخترق الدول والشعوب والافراد من خلال ثقافتهم ؟ هل لاحظتم ان الطائفية نتيجتها الدمار والهلاك ؟ اذا لنعي يقيناً ان الدول لا تبنى بالطائفية والعرقية بل تبنى بالمواطنة وقيم الانسانية ولا علاقة لاحد بالآخر بمعتقده ، بل اكثر من ذلك فإن الله سبحانه هو من سمح بهذا التنوع ، ولا يعمل الوجود ولا يترقى اصلاً بدون التنوع ، لان الوجود مبني على جدلية المتناقضات والازواج وجدلية القيم لدى الانسان ، وإلا لما كان مبرراً لوجود الانسان اصلاً وان هذا الوجود عبثي ارعن احمق بلا وعي ، والحقيقة ان في بنية الكون وقوانينه لا تسمح ان تمشي بعكسها ، اي ان التغيير قدر الوجود ، وان اختصار الزمن والتكاليف متعلق بأن يعي الانسان هذه البنية وان يعمل وفقها ولا يعاكسها والا فالهلاك محتم الوقوع لا محالة …
نعم اطلت المقال لكنني وكعادتي مضطر لذلك وارجو ان يسهم فيما اود وخاصة بعث الامل بأن القادم حتماً يحمل التالي :
التغيير الحتمي لجوهر النظام وبنيته الطائفية بعد ان انهى دوره بنجاح .
انهاء الدور الايراني حتمي الوقوع بعد ان انهى دوره بنجاح .
انهاء الدور والوجود الروسي في الشرق الاوسط .
التعاون المحتم بين الصين وامريكا في النظام العالمي الجديد بعد انهاء الدور الروسي في المنظومة الدولية ، بشرط ان تكون الصين تحت العباءة الامريكية ، وحق لها وفقاً لموازين التفوق في كل المجالات .
نحن على موعد قريب وسنصحى فيه وقد انتهى الماضي المؤلم بكل اوجاعه وآلامه لنبني سوريا من جديد في دورة الحياة المتبدلة والمتحركة وهذا ما نرجوه من الله …
العميد مصطفى الشيخ 3 آب 2023.
تعليقات
إرسال تعليق